وهذا ليس بسؤال غريب ، إنما هو تأكيد و تذكير وإحياء لمعنى العلم ، و مفهوم العلم ، ورسالة المعلم، فنحن نريد ابتداء أن يعرف المعلم من هو؟، وعندما نذكر بعض النقاط قد يقول بعض المعلمين - وأعرف هذا من خلال ممارستي ومعايشتي لكثير منهم- سيقول كثيرون : إن هذه منطلقات و مسميات ، أو مدلولات نظرية ، ولكن الواقع يخالفها ، أيضاً سيقول فريق آخر : هذا الوصف الذي سيذكر عن المعلم لا يعرف به أكثر الناس ، ولا يعرفه مجمل من لهم تأثير في واقع المجتمعات .
أقول :كل هذا قد يكون حقيقة ، لكن أعظم شيء ، وأهم شيء أن يعرف المعلم من هو .. أن يكون مقتنعا بهذا الوصف ؛ فإذا كنت - على سبيل المثال - تعرف نفسك أنك ذا مال ، فلا يضرك أن يقول الناس أنك فقير معدم .
لكن متى يحصل الخلل؟ عندما تكون ذا مال وتظن وهماً أو خطأ أو من كلام الناس أنك فقير معدوم ، وهذا هو الخطأ الأكبر لتلك المهمة الأولى ، أو الرسالة الأولى ، أو البرقية الأولى ، وهي من أنتم ؟.
من أنتم ايها المعلمون و من أنتن أيتها المعلمات ؟
في الحقيقة كلام الله - عز وجل - وفي منهج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وفي دين الإسلام ، وفي واقع الحياة ، وفي مستقبل الأمة ، ينبغي أن نركز هذا تركيزاً نظرياً ، وأن يكون أيضا قضية فكرية وشعورية تلامس القلب والنفس ، حتى يمكن أن يتحمل المعلم الاخطاء الواقعة في المجتمع ، لفهم مهمته ، ولفهم منـزلته ومكانته.
من أنتم ايها المعلمون نقولها في برقيات سريعة :
1- أنتم المرفوعون ؛ أي عند الله - سبحانه وتعالى - :{ يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} .
2ـ أنتم المندوبون عن الأمة . كما قال - جل وعلا -: { فلو لا نفر من كل فرقه منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون } .
3ـ انتم الوارثون ، أي الوارثون لأعلام النبوة كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( العلماء ورثة الأنبياء ) .
4 ـ أنتم المأجورون ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - بيّن عظمة الأجر الذي يلقاه معلم الناس الخير في قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) .
5 ـ أنتم المحسودون ، أي حسد الغبطة التي ينبغي إذا فهمها أهل الإيمان أن يتنافسوا فيها ، و يتسابقوا اليها ، ويتكالبوا عليها ، كما في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( لا حسد الا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، و رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها و يعلمها ) .
6- أنتم المورثون كما كنتم وارثون ؛ فانتم تورثون كما اخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - بخصيصة عظيمة لأهل العلم ، فيظن بعض الناس إنها جزئية لهم ، وذكر بعض العلماء إنها كلية في حديثه - صلى الله عليه وسلم - :( إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ).
ما نصيب أهل العلم من هذا الحديث ؟. هو قوله : ( أو علم ينتفع به ) ، لكن ذكر بعض أهل العلم أن أهل العلم من المعلمين لا يأخذون هذا الجزء فقط ، وإنما الأجزاء الثلاثة كلها ؛فإن التعليم في حد ذاته صدقة ؛ لأن فعل الخيرات كانت صدقة يقول ابن جماعة في كتابه عن التعليم: وشاهد ذلك حديث النبي – صلى الله عليه وسلم - ، ولما جاء الرجل بعد انقطاع الصلاة ، قال : من يتصدق على هذا ؟ ففعل الخير في حد ذاته صدقة ، فتعليمك الرجل صدقة منك عليه .
ثم علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ، و ما أكثر ما يكون الطلبة أكثر دعاء من الأبناء ، فبذلك يكون المعلم ممتد أجره ، و مورث لفضله و خيره بهذه الصورة الشاملة ، التي ذكرها العلماء - كما أشرت - .
7ـ أنتم الأولون ؛ فكل أحد ليست له بداية إلا بالتعليم .
بل إن الله - عز وجل - قد أشار في قوله - سبحانه وتعالى -:( فاعلم أنه لا إلا الله ) دلالة على أن العلم هو الطريق الى الإيمان . وعقد الإمام البخاري فصل في كتاب العلم من صحيحه قال:" باب العلم قبل القول والعمل " .
فإذا هو الأول في الاقتصاد ، والأول في القول والأول في العمل ، والأول في واقع الحياة .
انظر إلى الوزراء والمدراء ، والأطباء والمهندسين والفقهاء ، كلهم كانوا يوماً من الإيام تلاميذ مروا عليك في فترة من الزمن ، وتلقوا على يديك بعضاً من العلم .
ولو أنك علمتهم القراءة والكتابة ، فيظن بعض الناس أن معلم الابتدائية هذا في أدنى المراتب وفي أحقرها ، لكنك يوما ستجد عظيماً من العظماء ، أو عالماً من العلماء ، سيذكر الذي علمه الف وباء ، والكتابة ، وكيف ربما كان يخطئ فيها ويعلمه إياه ، وكيف ربما عاقبه على عدم اجادته فيها في أول أمره ، فهذه المفاتيح كلها ، وهذه المراتب كلها ، وهذه المناصب كلها إنما انت بادئها ، وأنت فاتحها ، وأنت الأول فيها .
8 ـ أنتم المجاهدون ؛ وهذا ذكره العلماء بما يدل على فقههم ، وعميق علمهم ، ذكره الخطيب البغدادي في كتابه[الفقيه و المتفقه ] عندما ذكر أن سبيل الله - عز وجل - يشمل التعليم والجهاد و قال ما ملخصه: " إن الجهاد حماية لبيضة الإسلام ، بالدفاع عن المسلمين ، وأن التعليم حماية للمسلمين بالحفاظ على الدين".
ولذلك يقول ابن القيم - رحمة الله عليه - في هذا المعنى بعبارة ضافية عندما أشار إلى أن العلم هو نوع من الجهاد في سبيل الله - : إنما جعل طلب العلم من سبيل الله - عز وجل - لأن به قوام الإسلام - كما أن قوامه بالجهاد العلم والجهاد معا - فقوام الدين بالعلم والجهاد ، ولهذا كان الجهاد نوعين :
1- جهاد باليد والسنان وهذا لمشارك فيه كثير.
2- جهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الخاصة من اتباع الرسل وهو جهاد الأئمة ؛ وهو أفضل الجهادين لعظمة منفعته ، و شدة مؤنته وكثرة أعدائه ثم استدل بقول الله - عز وجل - في سوره الفرقان المكية : { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً } قال : هذا الجهاد لم يشرع بعد ، فالمراد به جهادهم بالقرآن والبيان والحجة الداحضة التي تبين الحق ، وتقيم الدليل عليه.
وعندما يقول قائل : لماذا يطلق مثل هذا القول في كلامه - رحمه الله عليه - عندما قال : و هو أفضل الجهادين ، فنقول : إن الجهاد المعروف إنما تعرف فضيلته ، و تعرف أحكامه ، و تعرف أهدافه و غايته من خلال العلم ، فالعلم هو السابق على الجهاد ، وهو الممهد له ، وهو المهيج عليه ، وهو المبين لغاياته وأهدافه ، وبالتالي هو الذي ينشئه في النفوس انشاءً ، ويبينه في العقول بياناً واضحاً شافياً .
9ـ أنتم المدافعون عن الأمة في أخلاقها ، وفي تفكيرها ، وفي حضارتها وفي تقدمها ؛ فإن المعلم كأنما هو أعظم مجاهد في واقع الأمر . لماذا ؟.
لأنه يجاهد الجهلة بالتعليم ، ويجاهد الحماقة بالتقويم ، ويجاهد الشطط بالاعتدال ، ويجاهد الخمول والكسل بالتوجيه إلى الجد والعمل ، يواجه أموراً كثيرة ، ثم هذا كله يصوغه ويجاهد به في نفوس متغيرة ، وأفكار متبدلة ، وعواطف متأججة ، فعمله صعب شديد ، وأثره عندما يتحقق بإذن الله - عز وجل - قوي ومديد .
ولذلك عندما يريد أعداء الأمة ، أو تريد جهة من الجهات أن تؤثر في مجتمع ، أو في أمة ؛ فإن أوكد اهتمامها ، وأولى همها أن تتوجه إلى التعليم ، وتغير المناهج ، وهذه خطورة ، تصوغ المعلمين ، وإذا عملت في هذين الجانبين ، استطاعت أن تدمر كل المقومات ، استطاعت أن تزعزع العقائد في النفوس ، واستطاعت أن تحرّف السلوك ، واستطاعت أن تغيّر طرائق التفكير ، استطاعت أن تجعل هناك الهزيمة النفسية ، إلى آخر ذلك مما يعلم في قضايا الغزو الفكري ونحوه ، فالمعلمون هم المدافعون عن هذه الأمة عندما يقومون بواجبهم على النحو المطلوب .
10ــ أنتم المصلحون لما يفسده الآخرون ؛ فقد يفسد الطالب أهله ، وقد يفسده مجتمعه ؛ وقد يفسده أحيانا ما يسمعه وما يراه أو ما يقرأه . ومهمتك أن تصلح كل هذا . لماذا ؟ لأن المعلم أثره مستمر ، يبقى مع الطالب وقت طويل و سنوات عديدة ، و من خلال مواقف متكررة من خلال تدريس وتعليم ونشاط وغير ذلك.
بينما المخربون الآخرون أحيانا يكون دورهم مقصور ، إما مقصوراً بالوسائل ، أو مقصوراً في الوقت والزمن ، فيبقى عامل الاصلاح في المعلمين أغلب و أنجح وأكثر تأثيرا واستمرارية من غيره إذا هم أتقنوه وأحسنوه ، وكما يقول البشير الابراهيمي - الذي كان رئيساً لجمعية العلماء في الجزائر في اوائل هذا القرن - للمعلمين : " أنتم معاقد الأمل في إصلاح هذه الأمة ؛ فإن الوطن لا يعقد رجائه على الأميين الذين يريدون أن يصلحوا فيفسدون ، ولا على هذا الغثاء من الشباب الجاهل المتسكع الذي يعيش بلا علم ولا عقل ولا تفكير ، ولا الذي يغط في النوم ما يغط ، فإذا افاق على صيحة تمسّك بصداها ، و كررها كما يكرر الببغاء " .
فنحن نرى أن المعلمون هم المصلحون و هم المقومون .
فإذا كنت - أخي المعلم - مرفوعاً عند الله مندوباً عن الأمة ، ووارثاً لأعلام النبوة ، ومأجوراً من الله - سبحانه و تعالى - ، ومحسوداً من أهل الإيمان والصلاح ، ومورثاً لكثير من الخير يمتد به أجرك ، وأنت من المجاهدين في سبيل الله - سبحانه وتعالى - ومن المدافعين عن هذه الأمة ، ومن المصلحين فيها ، والمقيمين لأمرها و شانها ، فمن أنت يا أخي ؟
إنك في منـزلة يكفي شرفا فيها أن تكون وارث للأنبياء.
نقطه أخرى هنا وهي لا تأثير للقناعات الخاطئة عند الآخرين من غير المعلمين. الخطر عندما ينظر المعلم الى نفسه نظرة خاطئة هنا يقع الخطر فلا يعرف أنه له مهمة عظيمة و لا رسالة ولا فائدة إذا لماذا يعمل ؟ و كيف يعمل ؟ و بأية نفسية سيتوجه الى عمله ..الآخرون لسنا معنيون بهم في هذا المقام ، فإذا اقنعت نفسك بهذا فستسمع كل كلام فلا يؤثر فيك ، و تسمع كل احتقار فلا تكترث له ، حتى تكون حينئذ بهذه الانطلاقة مصلحاً ومغيراً لأفهام الآخرين بإذن الله - عز وجل - .
عندما يكون بعض الأباء و بعض المدراء و بعض قطاعات في المجتمع لا تدرك هذه الأهمية ! فمن الذي سيغيرها ؟! أقول التغير في أيدي المعلمين في كثير من الجوانب أقوى من أي جهة أو من أي تيار غيره لأسباب كثيرة:
كثرة المعلمين ؛ انظروا إلى أي دائرة من الدوائر ، كم عدد موظفيها ؟ و كم عدد الموظفين القائمين بمهمات التعليم والتدريس ؟ انظروا أيضا الى المحتاجين الى الخدمات في أي قطاع خدمات.. الجوازات أو خدمات المطارات.. خدماتهم فئات قليلة ، لكن التعليم كل الأمة تمر خلاله ، كل مولود في هذه العصر غالباً في بيئات كثيرة مثل بيئتنا ، لا بد أن يمر في هذا التعليم اذا وعيتم و أجمعتم ، و قررتم ، وعملتم ، وواصلتم يمكن أن تغيروا كل هذه الافكار ، وكل هذه التصورات الخاطئة ، ثم عندكم ثروة عجيبة يمكنكم أن تغزوا عقول الآباء والأمهات من خلال أبنائهم ، يمكنكم أن تغزوا المجتمع من خلال الذين تخرجونهم على أيديكم ، ويكونون غداً موظفين ومعلمين ومهندسين وأطباء إلى غير ذلك .
يمكنكم أن تغيروا كل شيء ، لأن عندكم أكبر قوه تغيرية ، وهي القوة البشرية لا تغيير بالقوة المادية ، ولا القوة الإعلامية ، ولا أية قوه أخرى ، وإن كانت هذه لها تأثيرها .
القوة البشرية ، والقناعة الفكرية ، والتربية السلوكية ، والحقائق الإيمانية التي تزرعونها في طلابكم يمكن أن تغيروا ولا يكون التغيير الإيجابي في غمضة عين و انتباهتها ، ولا بين عشية وضحاها ، وإنما لهذا وقته ، ولكن المهم أن تكون مقتنعاً به ، أن تكون متفاعلاً معه ، حينئذ يمكن أن يكون لك مثل هذا الحظ .
وأما هذه النظرات التي أشرت إليها عند إخواننا المدرسين ، وأذكر لهم بعض ما قد يوافق هوى بعضهم من باب الطرافة ، أو من باب التحميس ، أو النظر الى بعض النماذج .. الاستاذ علي الطنطاوي - رحمه الله - له في مذكراته كلام عن المدرسين ، من حيث همومهم ، و تجد أنه يصف لك دور المدرس عندما يصحح الكراريس ما يجعلك تحزن لهذا المدرس حتى كأنك في جنازة و مأتم ، و تجد أنه يعبر بتعبيراته الأدبية بأمور لا يقصدها ولا يعينيها ، و إنما يعبر عن الحقيقة والمعاناة التي لا يلمسها الآخرون ، فهو يعبر عن هذا ثم يقول : و ماذا حظي بعد ذلك ؟ بعض الطباشير التي يقذفها على الطلاب و بعض الامور كذا و كذا … الخ و كما عبر شاعر معلق و معارض لقصيده شوقي :
قم للمعلم ووفه التبجيلا **** كاد المعلم أن يكون رسولاً
قال هذا القائل من أهل التعليم أو من المتعاطفين معهم قال:
شوقي يقول و مادرى بـمصيبتي **** قــم للـمعلم ووفه التبـجيلاً
و يكاد يقلقني الأمير - أمير الشعراء - بقوله **** كــاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرب التعليم شوقي مــرة **** لقضى الحياة شقاوة وخمــولا
يا من يرد الانتحار و خـبرتـه **** إن المعلم لا يعيش طويــــلا
و هو إن كان يعاني ، و لكن لا بد أن يدرك هذه القيمة العظمى لأهميته ومنـزلته ، والحديث برقيات والبرقيات لا بد أن تكون مختصره .
ثانياً : ما هو عملكم ؟
1- المعرفة والتعليم
لأن هذا هو الأمر المتبادر الى الذهن ، وهو أن المعلم يعطي الطلاب معلومات يفرغونها ، و يحفظونها ، ثم يسألون عنها فيكتبونها ، وهذا في حد ذاته جزء أساسي لا شك في أهميته ، لكنه ليس وحده كما سيأتي.
فقضية التعليم عندما تفهم بهذا المعنى تكون حشواً للمعلومات في الرؤوس ، و تكون في الوقت نفسه عملية مملة يرى الطالب أنها أثقل عليه من الجبال العظيمة الشاهقة ، لأنها تسرد له المعلومات سرداً ، و يحشى بها عقله حشواً ، ويراد بعد ذلك كما قاله بصراحة أحد الأساتذة أو المدرسين الذين درست عندهم ، وهو درسنا في مرحله جامعية عليا ، فكان يقول : كان المدرسين يجهلونكم 16 عاماً ثم جئتم إليّ لتتعلموا ، ثم قال : المطلوب من كثير من الطلاب - يقصد في اسلوب التعليم - أن يحفظوا اوراق معينة ،ثم يأتي يوم الاختبار فيتقيؤها على الورق ، ثم ينتهي الأمر إلى هذا ، فإذا هذه المهمة ينبغي أن تعرف بقدرها ، وأن تعرف بأساليبها و طرائقها كما سأشير إليها :
أول عمل هو التعليم والتعليم كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم - :( إنما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم ) له طرائق و له وسائل و له أساليب محببة إلى النفوس ، ومقربة إلى الأفهام و العقول ،هذه كلها ينبغي ان لا تخفى على المدرس .
2- صياغة التفكير
وهذه مهمة عظيمة ، وهذا عمل خطير جداً ، لأن المعلومات وحدها لا تنشئ شيئا ، ولا تقوم معوجاً ، ولا تحرك ساكناً ، ولا تدفع الى فضيلة ، ولا توجه إلى مهمات الأمور ومعاليها ، وأهم ما ينبغي على المعلم أن يضع الأسس الصحيحة للتفكير السليم و للمبادئ التي ينبغي أن تكون مسلمات ، و الأخلاقيات التي ينبغي أن تكون أموراً متعارف عليها ، ومقر بها ، لا خلاف في أهميتها و فضيلتها ، بمعنى أن المعلم يحتاج من خلال التعليم أن يصوغ الفكر الصحيح . مثلاً : هناك كما يقال هزيمة نفسية عند كثير من أبناء المسلمين ، و يرى بعضهم أن المسلمين متخلفون ، وأن غير المسلمين متقدمون ، و قد يرى بعضهم تشويه في أفكارهم..
أيضا هنا تفكيرات أخرى وهي أن قضايا العلم مرتبطة بالأجناس ، و تجد عند بعض الطلاب هذا المعنى يقول لك : يا أخي الغربيون الأمريكيون هؤلاء عقولهم كبيرة هم الذين يمكن أن يخترعوا .. لا يتصور أن يكون في بنى الإسلام أو في بنى العروبة من عنده عقل مبدع أو منتج أو مفكر أو كذا.
هناك أيضا أمور وأسس ثابتة في أمور الدين ، وأمور العقائد ، لا بد أن يتصورها الطالب ، وأن يحسن التفكير في أن هذه لا مساس بها ، ولا مفاوضة عليها ، لا مجاملة فيها ، ولا مداهنة فيها ، إلى غير ذلك هناك أيضا قضايا متعلقة بتاريخ الأمة و بمقوماتها الأخلاقية والفكرية ، و ينبغي أن تكون أيضا من مهمة المدرسين ، وهذه لها أثرها الكبير والعظيم .
3ـ التربية السلوكية والصياغة الفكرية
أحياناً عند الناس نظرات فكرية ممتازة يقول : ينبغي أن يكون كذا والحقيقة أن الأصل هو كذا وهذه الأمور كما قلت في قضية المعلمون هي كذا وكذا.
ولكن ما هو التطبيق الواقعي، إن من الطلاب - خاصة في السنوات الأولى وسنوات الشباب - كثير من صور الخلل السلوكي ، والانحراف العملي والتطبيقي ، فمن مهمة المدرس الأولى ، ومن أعظم وظائفه العلمية ، أن يقوِّم هذه السلوكيات ، وأن يعود الكاذبين على الصدق ، وأن يمنع المنحرفين عن الانحراف ، إلى غير ذلك من الصفات التي قد توجد في كثير من الشباب في مراحل سنينهم الأولى ، وفي فترات المراهقة ، ومقتبل الشباب ، والمرحلة التي يمر بها الطلاب في أثناء دراستهم التعليمية ولا شك أن هذه البصمات التأثيرية السلوكية أهم بكثير جداً من الناحية المعرفية التي ذكرتها أولا ، ولذلك ورد في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وهذا الحديث رواه الامام مالك ، وقال ابن عبدالبر : روي من وجوه موصوله أخرى و صححه وأخرجه غيره.
هذا المعنى هو الشق الآخر لمهمة النبي – صلى الله عليه وسلم - فلقد بعث معلماً ، وبعث مربياً ، فالتعليم من غير التربية لا يؤتى ثمرته ، بل يكون على العسكمن ذلك ، والأحاديث و المعاني الإسلامية في هذا كثيرة .